من طرف دولى الأربعاء يوليو 23, 2008 11:47 pm
قال القديس أثناسيوس
( يجب علينا ألا نتصور وجود ثلاثة جواهر منفصلة عن بعضها البعض فى الله – كما ينتج عن الطبيعة البشرية بالنسبة للبشر – لئلا نصير كالوثنيين الذين يملكون عديدا من الآلهة . ولكن كما أن النهر الخارج منه الينبوع لا ينفصل عنه , بالرغم من ذالك فإن هناك بالفعل شيئين مرئيين واسمين . لأن الآب ليس هو الابن , كما أن الابن ليس هو الآب , فالآب هو أب الابن , والابن هو ابن الآب0 وكما أن الينبوع ليس هو النهر , والنهر ليس هو الينبوع , ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذى يسرى فى مجرى من الينبوع إلى النهر , وهكذا فإن لاهوت الآب ينتقل فى الابن بلا تدفق وانقسام .لأن السيد المسيح يقول " خرجت من الآب " وأتيت من عند الآب . ولكنه دائما أبدا مع الآب ، وهو فى حضن الآب . وحضن الآب لا يخل أبدا من ألوهيته )
+ الآب هو الينبوع الذى يتدفق ( يسرى ) منه بغير انفصال الابن الوحيد بالولادة الأزلية قبل كل الدهور, وكذالك الروح القدس
بالانبثاق الأزلى قبل كل الدهور
- الآب هو الحكيم الذى يلد الحكمة , ويبثق روح الحكمة
- والآب هو الحقانى الذى يلد "الحق" (يو 6:14 ) , ويبثق "روح الحق" ( يو26:15 )
+ الحكمة هى لقب لأقنوم الابن المولود من الآب الحكيم
- والحق هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب الحقانى
- والكلمة ( اللغوس )أى ( العقل منطوقا به ) هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب العاقل
والخواص الجوهرية جميعا , ومن أمثلتها الحكمة والحق والعقل والحياة .... يشترك فيها الأقانيم الثلاثة : فالآب هو الحق من حيث الجوهر والابن هو الحق من حيث الجوهر والروح القدس هو الحق من حيث الجوهر. ام من حيث الأقنوم فالآب هو الحقانى ( اى ينبوع الحق ) , والابن هو الحق المولود منه , والروح القدس هو روح الحق المنبثق منه
+ من يسطتيع أن يفصل الحقانى عن الحق المولود منه ؟!
- ومن يستطيع أن يفصل الحكيم عن الحكمة ؟.... إن الحكمة تصدر عن الحكيم تلقائيا كإعلان طبيعى عن حقيقته غير المنظورة
- واننا نعرف الحكيم بالحكمة , ونعرف العاقل بالعقل المنطوق به , ونعرف الحقانى بالحق الصادر منه ..... وهكذا
+ الابن يعلن لنا الآب غير المنظور ونرى فيه الآب, والروح القدس يلهمنا بطريقة خفية غير منظورة عن الآب والابن
- الابن دعى ابنا لأنه " صورة الآب " ( كو 15:1 )
- والروح القدس دعى روحا لأنه يعمل دون أن نراه , ومن ألقابه أنه هو المعزى ( comforter ) الذى يريح قلب الإنسان , ويمنحه عطية السلام والمصلاحة مع الله
-
+ وقد أكد القديس أثناسيوس الرسولى
أن الابن له كل خواص الآب الجوهرية , ولا تمايز بينهما إلا بالخصية الأقنومية , وهى أن الآب ينفرد بالأبوة والابن ينفرد بالبنوة . أى أن كل صفات الآب هى للابن ما عدا أن الآب هو آب وان الابن هو ابن . فقال فى مقالته الثالثة ضد الأريوسية الفقرة رقم 4 ورقم 5 :
( ولان اللاهوت واحد فى الآب والابن , فإنه نشأ عن ذالك بالضرورة أن كل الصفات التى تقال عن الآب قيلت هى بعينها عن الابن , إلا صفة واحدة وهى أن الآب أب .. لأن الابن نفسه يقول عن ذاته ( مخاطبا الآب ) " كل ما هو لى فهو لك , وما هو لك فهو لى " ( يو 10:17 ) .. ثم لماذا تنسب صفات الآب للابن ؟ إلا لكون الابن هو نبع من الآب )
وقال القديس أثناسيوس أيضاً فى نفس المقالة الفقرة رقم 65 :
{إذن، فابن الله هو "الكلمة" و "الحكمة"، هو "الفهم" و"المشورة الحية" وفيه تكمن "مسرة الله الآب"؛ هو "الحق" و "النور" و "القدرة" التى للآب}.
كذلك القديس غريغوريوس النازينزى (الناطق بالإلهيات) قد أكّد أيضاً أن الآب والابن لهما نفس الصفات جميعاً ماعدا اللامولودية والمولودية وذلك لأن الصفات الإلهية هى واحدة للآب والابن ويتمايزان فقط بالأبوة والبنوة. فقال فى عظته اللاهوتية الخامسة :
{ المسيح.. أى من الأشياء العظيمة التى يمكن لله أن يعملها ولا تكون فى استطاعته، وأى من الأسماء تطلق على الله، ولا تطلق عليه، ما عدا "اللامولود والمولود"، لأنه كان من الضرورى أن الخصائص المميزة للآب والابن تظل خاصة بهما، حتى لا يكون هناك اختلاط فى الألوهة، التى تجعل كل الأشياء، وحتى غير المنتظمة، فى ترتيب ونظام حسن}.
وأيضاً شرح القديس باسيليوس الكبير معنى تمايز الأقانيم مع وحدانية الجوهر كما يلى فقال:
{فى عبادتنا لإله من إله، نحن نعترف بتمايز الأقانيم (الأشخاص)، وفى نفس الوقت نبقى على المونارشية (التوحيد). نحن لا نقطِّع اللاهوت إلى تعدد منقسم، لأن شكلاً واحداً، متحداً فى اللاهوت غير المتغير، يُرى فى الله الآب وفى الله الابن الوحيد. لأن الابن هو فى الآب، والآب فى الابن، لأنه كما الأخير هكذا هو الأول، وكما هو الأول هكذا هو الأخير، وبهذا تكون الوحدة. حتى أنه وفقاً لتمايز الأقانيم (الأشخاص)، فإن كليهما هما واحد وواحد، ووفقاً لوحدة الطبيعة فإنهما واحد. كيف إذن، إن كانا واحد وواحد لا يكون هناك إلهين؟ ذلك لأننا حينما نتكلم عن الملك وصورة الملك لا نتكلم عن ملكين. فالجلالة لم تشق إلى اثنين، ولا المجد انقسم. السيادة والسلطة فوقنا (علينا) هى واحدة، هكذا فإن التمجيد الذى ننسبه إليهما ليس متعدداً بل واحداً، لأن الكرامة المقدمة إلى الصورة تصل إلى النموذج الأصلى (الأصل)}.
{لأنهم (أى واضعى قانون الإيمان) بعدما قالوا أن الابن هو نور من نور، ومولود من نفس جوهر الآب، ولكن ليس مصنوعاً، أضافوا الهومو أوسيون homoousion (بمعنى "له نفس الجوهر"). وبذلك أظهروا أن أى نسبة من النور ينسبها إنسان إلى الآب سوف يستخدمها أيضاً للابن. لأن النور نفسه فى علاقته بالنور نفسه، وفقاً للمعنى الفعلى للنور، لن يكون فيه أى اختلاف. إذن حيث أن الآب هو نور بلا بداية والابن هو النور المولود، لكن كلٍ منهما هو نور فإنهما نور ونور، فهم محقون فى قولهم "له نفس الجوهر" ليبينوا مساواة الكرامة التى للطبيعة"}.
أما عن كون الآب هو الينبوع الذى منه تتدفق الحكمة والحياة مثلما يتدفق الحق والقوة والقدرة، فقد شرح القديس أثناسيوس ذلك باستفاضة فى مقالته الأولى ضد الأريوسية شارحاً أن الابن هو الحياة والحكمة المتدفقة من الآب كينبوع والد للابن :
{ إن كان يقال عن الله أنه ينبوع حكمة وحياة كما جاء فى سفر أرميا "تركونى أنا ينبوع الماء الحى" (أر2: 13) وأيضاً "أن عرش المجد ذو المكانة الرفيعة هو موضع مقدسنا أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون والمتمردون عليك فى تراب الأرض يكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع الحياة" (أر17: 12، 13). وقد كتب فى باروخ أنكم قد هجرتم ينبوع الحكمة (باروخ3: 12) وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبين عن جوهر الينبوع بل هما خاصة له (خواص له)، ولم يكونا أبداً غير موجودتين، بل كانا دائماً موجودين. والآن فإن الابن هو كل هذه الأشياء وهو الذى يقول "أنا هو الحياة" (يو14: 6) وأيضاً "أنا الحكمة ساكن الفطنة" (أم8: 12) كيف إذاً لا يكون كافراً من يقول "كان وقت ما عندما لم يكن الابن فيه موجوداً لأن هذا مثل الذى يقول تماماً كان هناك وقت كان فيه الينبوع جافاً خالياً من الحياة والحكمة. ولكن مثل هذا الينبوع لا يكون ينبوعاً، لأن الذى لا يلد من ذاته (أى من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعاً}. (المقالة الأولى ضد الأريوسية ف6 : 19)
{ فيما يخص اللاهوت وحده فإن الآب هو أب بصفة مطلقـة والابن هو ابن بصفة مطلقـة، وفى هذين وحدهما فقط يظل الآب أب دائماً والابن ابن دائماً} (المقالة الأولى ضد الأريوسيـة ف21:6).
وينبغى أن نلاحظ أنه طبقاً لتعاليم الآباء فإن الكينونة أو الجوهر ليس قاصراً على الآب وحده (غريغوريوس النزيانزى) لأن الآب له كينونة حقيقية وهو الأصل فى الكينونة بالنسبة للابن والروح القدس، والابن له كينونة حقيقية بالولادة الأزلية، والروح القدس له كينونة حقيقية بالانبثاق الأزلى. ولكن ليس الواحد منهم منفصلاً فى كينونته أو جوهره عن الآخرين.
وكذلك العقل ليس قاصراً على الابن وحده، لأن الآب له صفة العقل والابن له صفة العقل والروح القدس له صفة العقل، لأن هذه الصفة هى من صفات الجوهر الإلهى. وكما قال القديس أثناسيوس {لماذا تكون صفات الآب هى بعينها صفات الابن؟ إلا لكون الابن هو من الآب وحاملاً لذات جوهر الآب}. ولكننا نقول أن الابن هو "الكلمة" أو "العقل المولود" أو "العقل منطوق به" أما مصدر العقل المولود فهو الآب.
وبالنسبة لخاصية الحياة فهى أيضاً ليست قاصرة على الروح القدس وحده، لأن الآب له صفة الحياة والابن له صفة الحياة والروح القدس له صفة الحياة، لأن الحياة هى من صفات الجوهر الإلهى. والسيد المسيح قال "كما أن الآب له حياة فى ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة فى ذاته" (يو5: 26). وقيل عن السيد المسيح باعتباره كلمة الله "فيه كانت الحياة" (يو1: 4). ولكن الروح القدس نظراً لأنه هو الذى يمنح الحياة للخليقة لذلك قيل عنه أنه هو ]الرب المحيى[ (قانون الإيمان والقداس الكيرلسى) وكذلك أنه هو ]رازق الحياة[ أو ]معطى الحياة[ (صلاة الساعة الثالثة).
من الخطورة أن ننسب الكينونة إلى الآب وحده، والعقل إلى الابن وحده، والحياة إلى الروح القدس وحده، لأننا فى هذه الحالة نقسّم الجوهر الإلهى الواحد إلى ثلاثة جواهر مختلفة. أو ربما يؤدى الأمر إلى أن ننسب الجوهر إلى الآب وحده (طالما أن له وحدَهُ الكينونة) وبهذا ننفى الجوهر عن الابن والروح القدس أو نلغى كينونتهما، ويتحولان بذلك إلى صفات لأقنوم إلهى وحيد هو أقنوم الآب (وهذه هى هرطقة سابيليوس). وقد أشار القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات إلى هذه المفاهيم فقال [وفكّرت كذلك فى الشمس، والشعاع، والنور. وهذا لا يخلو أيضاً من خطر: يُخشى أولاً تصوّر تركيب ما فى الطبيعة غير المركّبة-كما يكون ذلك فى الشمس وخصائصها، ويُخشى ثانياً أن يُخص الآب وحده بالجوهر فتزول أقنومية الآخريْن، ويكونان قوتين لازمتين لله لا أقنوميْن. فليس الشعاع شمساً وليس النور شمساً، بل فيض شمسى ومزيّة (خاصية أو صفة) جوهرية. وأنه ليُخشى عند التمسك بهذا التشبيه أن يُنعَت الله بالوجود وباللاوجود معاً، وهذا منتهى السخف}.
وهو هنا لا يرفض التشبيه المذكور ولكن يحذّر من الفرق بين التشبيه والأصل فى فهم عقيدة الثالوث .
انظر أيضاً
تعليم القديس إغريغوريوس النزيانزى عن الثالوث الأقدس بقلم نيافة الانبا بيشوى
الله محبة
مفتاح المسيحية أن " الله محبة " ( 1يو4 : 8, 16 )
ونحن نسأل من كان الآب يحب قبل أن يخلق العالم و الملائكة والبشر ؟
إذا أحب الله الآب نفسه , يكون أنانيا ego-centric , وحاشا لله أن يكون هكذا . إذا لا بد من وجود محبوب , كما قال السيد المسيح فى مناجاته للآب قبل الصليب " لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم " ( يو17 : 16 ). وبوجود الابن يمكن أن نصف الله بالحب أزليا وليس كأن الحب شىء حادث أو مستحدث بالنسبة لله 0 فالأبوة والحب متلازمان , طالما وجدت الأبوة فهناك المحبة بين الآب والابن .
ولكن الحب لا يصير كاملا إلا بوجود الأقنوم الثالث0 لأن الحب نحو الأنا , هو أنانية وليس حبا. والحب الذى يتجه نحو الآخر الذى ليس آخر سواه ( المنحصر فى آخر وحيد ) هو حب متخصص رافض للاحتواء exclusive love . بمعنى إنه حب ناقص . ولكن الحب المثالى هو الذى يتجه نحو الآخر والى كل من هو آخر inclusive love وهنا تبرز أهمية وجود الأقنوم الثالث من اجل كمال محبة الله .
وإذا وجدت الخليقة فى اى وقت وفى اى مكان فهى تدخل فى نطاق هذا الحب اللانهائى لأن مثلث الحب هنا هو بلا حدود ولا مقاييس . هذا الحب الكامل يتجه أيضا نحو الخليقة حيثما وحينما توجد 0 كما قال السيد المسيح للآب " ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم " (يو 17 : 26 ) . إن الحب الكامل بين الأقانيم الثلاثة وهذا هو أعظم حب فى الوجود كله .
س - لماذا لا تكون الأقانيم أربعة أو خمسة ؟
وللرد نقول أن اى شىء ناقص فى الله يعتبر ضد كماله الإلهى , كما إن اى شىء يزيد بلا داعى يعتبر ضد كماله الإلهى .
إن مساحة هذا المثلث ما لا نهاية , اى أن مساحة الحب بين الأقانيم هى ما لا نهاية , ومثلث الحب هذا يتسع حتى يشمل كل الخليقة , فأى كائن يقع داخل نطاق المثلث يشمله هذا الحب فما الداعى لنقطة رابعة أو خامسة
إذا كان المثلث نقطة أو مستقيم تكون مساحته صفر كما قلنا , حتى إذا كان طوله ما لا نهاية , لكن حين صار مثلثا صارت له مساحة . فان كانت المساحة ما لا نهاية فإنها تشمل كل الخليقة , فلا يحتاج الأمر إلى مربع أو مسدس . يكفى لكى تكون هناك مساحة أن يكون مثلث .