كانت الدنيا تغرق فى ظلام دامس، و أنا أرقد على سريري، عندما سمعت الباب يطرق.. حاولت أن أتجاهل الصوت، لكنه استمر يطرق بإلحاح. فقمت متثاقلاً أتحسس طريقي إلى الباب.. اصطدمت بعدة أشياء، وقع بعض منها على الأرض مُحدثاً ضجة.. وصلت إلى الباب أخيراً.. المقبض فأدرته وفتحته، أغمضت عينيَّ للحظات لشدة الضوء خارج الحجرة.. بعد ثوانٍ، نظرت إلى الشخص الواقف أمامي فبادرني: "لقد جئت لأتعشى معك".
لم أتذكر أنني دعوت أحداً، و لكنى قلت: "تفضل ادخل".. وضع المصباح الذي كان بيده على المنضدة، كان نوره قوياً جداً، فرأيت حجرتي بوضوح.. كانت أبشع و أقذر كثيراً مما تخيلت.. كنت أعلم أنها غير نظيفة، ولكن ليس إلى هذا الحد المُزري، نظرت إليه فى خجل.. لم أعرف ماذا أقول، فبادرني هو قائلاً: "يجب أن أنظف هذه الحجرة قبل العشاء، فهل تسمح لي؟".. أومأت برأسي بالإيجاب وأنا في شدة الخجل، و بدأ هو العمل فوراً.. بدأ بالأرض، رمى أشياء كثيرة كانت تبدو مهمة فيما مضى، ولكنها صارت بلا أهمية منذ تلك اللحظة... ألقى بنفايات وددت لو تخلصت منها منذ زمن طويل، ولكني لم أفعل... قام بتنظيف تراكمات سنين عديدة.
بعد فترة قال لى: "ماذا عن الصندوق المُلقى فى ركن الحجرة؟ ماذا عنه؟.. ماذا تضع فيه؟".. قلت له: هو صندوق زبالة، و لكني أحتفظ فى داخله بأشياء أحبها وأعتز بها كثيراً، و أريد الاحتفاظ بها.. "لكن إن كنت تريد حجرة نظيفة فعلاً، فلا بد من رميه خارجاً، إنه يشوه منظر الحجرة".. أرجوك لا ترميه، أنا أريد الاحتفاظ به.. نظر إلىّ متوسلاً، يلتمس موافقتى.. فاستسلمت لنظرات عينيه وأجبت: "حسناً افعل ما تريد.. فابتسم و فى ثوانٍ اختفى الصندوق!.. استمر يعمل حتى لمعت الحجرة من النظافة، وعندما انتهى قال: "هل تحب أن أفعل لك شيئاً آخر؟ فهناك أمور عديدة يجب أن تصلحها"..
حسناً.. افعل ما تشاء، ولكني أرجو أن تنتهي من العمل بسرعة، فأنا أحب أن أحافظ على خصوصياتي.. أجاب: "ولكني كنت أفكر في المعيشة معك لأساعدك دائماً".. قلت: "ولكن وجودك هنا سيُقيد من حريتي التي أستمتع بها جداً".. "إن لم أمكث معك هنا، فسوف تتسخ الحجرة مرة أخرى، وإن أنا خرجت، فسوف تعيش أنت فى ظلام لأن المصباح معي.. ثم إني أريد أن أجمل هذه الحجرة وأُزينها لنسكن فيها سوياً، عندئذ لن يعوزك شيء".. نظرت إليه، وقد استسلمت لنظرات عينيه، وقلت: "أهلاً بك فى حجرتي".. انتبهت من غفلتي فإذا بالإنجيل مفتوح أمامي وأنا أقرأ فى سفر الرؤيا الأصحاح الثالث الآية العشرون: "ها أنا واقف على الباب وأقرع، إن فتح لي أحد، أدخل وأتعشى معه وهو معي "
إنه على الباب يقرع، فلنفتح له، و نتمتع بوجوده.. يكشف لنا ذاته، ويكشف لنا محبته، ويفتح لنا قلبه، ويشعرنا برعايته واهتمامه.. عجيب هذا الإله المحب، الذى يعطي أهمية لخليقته بهذا المقدار!.. (قداسة البابا شنودة الثالث)