وصلت أسفار الكتاب المقدس إلينا بسند متَّصل وتواتر قوي، وإليك الأدلة:
السند المتصل للعهد القديم
قال المعترض: «لا يوجد سند متَّصل لكتاب من كتب العهد القديم أو الجديد. ولا بد قبل قبول أي كتاب سماوي أن نثبت أولاً بالدليل القاطع أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ووصل إلينا بالسند المتصل، بلا تغيير ولا تبديل. أما الظن والوهم فلا يكفيان لإثبات أنه من كتابة ذلك النبي».
وللرد نقول: نورد الأدلة التي تؤيد صحة سند هذه الكتب إلى الأنبياء المنسوبة إليهم:
(1) أوحى الله بالتوراة لكليمه موسى، وخصَّص سبط لاوي من الاثني عشر سبطاً للمحافظة عليها وإقامة سُننها وفرائضها وأحكامها، واختصَّ هذا السبط بامتيازات خصوصية ليتفرَّغ للعبادة. وأقام بنو إسرائيل الفرائض والأحكام المدوّنة في شريعتهم، وتعبَّدوا بقراءتها في أيام مواسمهم وأعيادهم كل سنة، ونفذوا أحكامها في الأمراض والعاهات، وما يجوز من الزواج وما لا يجوز، إلى يومنا هذا، وتسلمها الخلف من السلف. وهذه أدلة قوية على حفظهم إياها، وعلى السند المتصل أن هذه الكتب أُوحي بها لأولئك الأنبياء المنسوبة إليهم، وأنهم عملوا المعجزات الباهرة لتأييد دعواهم.
ولا ينكر أحد أن صولون سنَّ قوانين لسكان أثينا كانت مرعيةً عندهم، وأن ليكارجوس سنَّ قوانين لسكان إسبرطة كانوا يقيمون حدودها وسُننها، ولم يشكَّ أحدٌ في نسبة القوانين التي وضعها كل منهما إليهما. فكم بالحري الكتب المقدسة التي اتَّخذها بنو إسرائيل دستوراً في عبادتهم ومعاملاتهم! فلا ينكر أحد نسبتها إلى موسى ولا إلى الأنبياء. وقد شهد الأنبياء الذين أتوا بعد موسى لهذه الأسفار، واستشهدوا بها في أقوالهم، وحضّوا بني إسرائيل على التمسك بفرائضها وسننها.
(2) انتشار كتب موسى والأنبياء وتداولها أدلة عظيمة على صحة نسبتها إلى الأنبياء المنسوبة إليهم. وقد كانت الغاية من الوحي بها هي نشرها بينهم. والدليل على ذلك أن المؤرخ يوسيفوس قال إن موسى النبي أمر بتوزيع نسخة على كل سبط من أسباط بني إسرائيل. وانتشارها بين بني إسرائيل يثبت عدم تغييرها أو تبديلها، أو تحريف نسبتها إلى غير ما هي له، لأنه إذا تجرَّأ أحد أسباط بني إسرائيل على ذلك هاجمته بقية الأسباط. وهل يُعقل أن بني إسرائيل يغيّرون أو يحرّفون الكتب المقدسة التي تمنحهم امتيازات وبركات تسبّب تمتعهم بالنعيم الدائم؟
(3) ظهرت الكتب المقدسة بين بني إسرائيل مقترنة بأسماء الأنبياء الذين كتبوها. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يخل بنسبتها هو أن كاتبها يذكر حوادث لم تحدث. والكتب المقدسة منزهة عن ذلك، فموسى قال إنه غلب سحرة المصريين وشقَّ البحر الأحمر، وإن الله أنزل المنّ والسلوى.
(4) عدم اعتراض أحد من علماء الوثنيين على نسبة هذه الكتب إلى أصحابها يبرهن صحتها.
(5) مما يدل على صحة نسبتها: أسلوب كل نبي، فمثلاً أسلوب موسى غير أسلوب غيره من الأنبياء. وهكذا أسلوب معلقات العرب هو غير أسلوب قصائد الشعراء المخضرمين والمتأخرين، وكذلك طرق المراسلات. فاختلاف أساليب الأنبياء هو من الأدلة على صحة نسبتها إلى كل واحد.